فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكِناهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (95)}.
قوله: {وَحَرَامٌ}: قرأ الأخَوان وأبو بكر ورُوِيَتْ عن أبي عمرو {وحِرْمٌ} بكسرِ الحاء وسكونِ الراءِ. وهما لغتان كالحِلِّ والحَلال. وقرأ بن عباس وعِكْرمة و{حَرِمَ} بفتح الحاء وكسر الراء وفتح الميم، على أنه فعلٌ ماضٍ، ورُوي عنهما أيضًا وعن أبي العالية بفتح الحاء والميم وضمِّ الراءِ بزنة كُرمَ، وهو فعلٌ ماض أيضًا. ورُوي عن ابن عباس فتحُ الجميع. وهو فعلٌ ماضٍ أيضًا. واليمانيُّ بضم الحاء وكسر الراءِ مشددةً وفتح الميم ماضيًا مبنيًا للمفعول. ورُوي عن عكرمةَ بفتح الحاء وكسرِ الراء وتنوين الميم.
فَمَنْ جعله اسمًا: ففي رفعه وجهان، أحدهما: أنه مبتدأ وفي الخبر حينئذٍ ثلاثةُ أوجهٍ، أحدهُا: قوله: {أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} وفي ذلك حينئذٍ أربعةُ تأويلاتٍ، التأويلُ الأول: أنَّ {لا} زائدةٌ والمعنى: وممتنعٌ على قريةٍ قدَّرْنا إهلاكَها لكفرِهم رجوعُهم إلى الإِيمانِ، إلى أَنْ تقومَ الساعةُ. وممَّن ذهب إلى زيادتِها أبو عمروٍ مستشهدًا عليه بقوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ} [الأعراف: 12] يعني في أحدِ القولين. التأويل الثاني: أنها غيرُ زائدةٍ، وأنَّ المعنى: أنَّهم غيرُ راجعين عن معصيتهم وكفرِهم. التأويلُ الثالث: أنَّ الحرامَ يُرادُ به الواجب. ويَدُلُّ عليه قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ} [الأنعام: 151] وتَرْكُ الشِّرْكِ واجبٌ، ويَدُلُّ عليه أيضًا قولُ الخنساء:
حرامٌ على لا أرى الدهرَ باكيًا ** على شَجْوِه إلا بَكَيْتُ على صَخْرِ

وأيضًا فمن الاستعمالِ إطلاقُ أحدٍ الضدين على الآخرِ.
ومِنْ ثَمَّ قال الحسن والسدي: لا يَرْجِعون عن الشرك. وقال قتادة: إلى الدنيا. التأويل الرابع: قال أبو مسلم ابن بَحْر: {حرامٌ}: ممتنع. وأنهم لا يرجعون: انتفاء الرجوعِ إلى الآخرةِ، فإذا امتنع الانتفاءُ وَجَبَ الرجوعُ. فالمعنى: أنه يجبُ رجوعُهم إلى الحياة في الدار الآخرة. ويكون الغرضُ إبطالَ قولِ مَنْ يُنْكر البعثَ. وتحقيقُ ما تقدَّم من أنه لا كُفْرانَ لسَعْي أحدٍ، وأنه يُجْزَى على ذلك يومَ القيامةِ. وقولُ ابن عطية قريبٌ من هذا قال: وممتنعٌ على الكفرةَ المُهْلَكين أنهم لا يَرْجعون إلى عذاب الله وأليم عِقابِه، فتكون {لا} على بابِها، والحرامُ على بابه.
الوجه الثاني: أنَّ الخبرَ منحذوفٌ تقديرُه: حرامٌ توبتُهم أو رجاءُ بعثهم، ويكونُ {أنَّهم لا يَرْجعون} علةً لما تقدَّم من معنى الجملة، ولَكِن لك حينئذ في {لا} احتمالان، الاحتمال الأول: أَنْ تكونَ زائدةً. ولذلك قال أبو البقاء في هذا الوجهِ بعدَ تقديرِه الخبرَ المتقدم: إذا جَعَلْتَ لا زائدةً قلت: والمعنى عنده: لأنهم يَرْجعون إلى الآخرة وجزائها. الاحتمال الثاني: أن تكونَ غيرَ زائدةٍ بمعنى: ممتنعٌ توبتُهم أو رجاءُ بعثِهم؛ لأنهم لا يَرْجعون إلى الدنيا فَيَسْتدركوا فيها ما فاتهم من ذلك.
الوجهُ الثالث: أَنْ يكونَ هذا المبتدأ لا خبرَ له لفظًا ولا تقديرًا، وإنما رَفَع شيئًا يقوم مقامَ خبرِه من باب أقائم أخواك. قال أبو البقاء: والجيدُ أن يكونَ أنهم فاعلًا سَدَّ مَسَدَّ الخبر، قلت: وفي هذا نظرٌ؛ لأن ذلك يًُشْترطُ فيه أن يَعتمد الوصفُ على نفيٍ أو استفهامٍ، وهنا فلم يعتمِدْ المبتدأُ على شيءٍ من ذلك، اللهم إلاَّ أَنْ ينحوَ نَحْوَ الأخفشِ، فإنه لا يَشترطُ ذلك. وقد قررتُ هذه المسألةَ في غيرِ هذا الموضوع، والذي يظهر قولُ الأخفش، وحينئذ يكون في {لا} الوجهان المتقدمان من الزيادة وعدمِها، باختلاف معنيين: أي امتنع رجوعُهم إلى الدنيا أو عن شركِهم إذا قَدَّرْتَها زائدةٌ، أو امتنع عدمُ رجوعِهم إلى عقابِ اللهِ في الآخرة إذا قَدَّرْتها غيرَ زائدة.
الوجه الثاني: من وجهَيْ رفعِ {حرام} أنه خبرُ مبتدأ محذوف، فقدَّره بعضهم: الإِقالةُ والتوبةُ حرامٌ. وقَدَّره أبو البقاء: أي ذلك الذي ذُكِرَ من العملِ الصالحِ حرامٌ. وقال الزمخشري: وحرامٌ على قريةٍ أهلَكِناها ذَاك، وهو المذكورُ في الآية المتقدمةِ من العملِ الصالح والسَّعيِ المشكورِ غير المكفورِ. ثم عَلَّل فقيل: إنهم لا يرجعون عن الكفر فكيف لا يمتنع ذلك؟
وقرأ العامَّة: {أَهْلَكِناها} بنونِ العظمة. وقرأ أبو عبد الرحمن وقتادةُ {اهلكتُها} بتاءِ المتكلم. ومَن قرأ {حَرِمٌ} بفتح الحاءِ وكسرِ الراء وتنوينِ الميم، فهو في قراءتِه صفةٌ على فَعلِ نحو: حَذِر. وقال:
وإن أتاه خليلٌ يومَ مسألةٍ ** يقولُ لا غائبٌ مالي ولا حَرِمُ

ومَنْ قرأه فعلًا ماضيًا فهو في قراءتِه مسندٌ لـ: أن وما في حَيِّزها. ولا يَخْفى الكلامُ في {لا} بالنسبة إلى الزيادةِ وعدمِها فإنَّ المعنى واضحٌ مما تقدَّم وقرئ: {إنَّهم} بالكسرِ على الاستئناف، وحينئذٍ فلابد من تقديرِ مبتدأ يَتِمُّ به الكلام، تقديرُه: ذلك العملُ الصالحُ حرامٌ. وتقدَّم تحريرُ ذلك.
{حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ ومأجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96)}.
قوله: {حتى إِذَا}: قد تقدم الكلام على {حتى} الداخلةِ على إذا مشبعًا. وقال الزمخشري هنا: فإنْ قلت: بمَّ تعلَّقَتْ {حتى} واقعةً غايةً له وأيَّة الثلاث هي؟ قلت: هي متعلقةٌ بـ: {حرامٌ} وهي غايةٌ له؛ لأنَّ امتناعَ رجوعِهم لا يزول حتى تقومَ القيامةُ، وهي {حتى} التي يحكى بعدها الكلامُ، والكلامُ المحكيُّ هو الجملةُ من الشرطِ والجزاءِ، أعني إذا وما في حيزها. وأبو البقاء نَحا هذا النحوَ فقال: و{حتى} متعلقةٌ في المعنى بـ: {حرامٌ} أي: يستمرُّ الامتناع إلى هذا الوقتِ، ولا عملَ لها في إذا.
وقال الحوفي: هي غايةٌ، والعاملُ فيها ما دَلَّ عليه المعنى مِنْ تأسُّفِهم على مافَرَّطوا فيه من الطاعةِ حين فاتَهم الاستداركُ. وقال ابنُ عطية: {حتى} متعلقةٌ بقوله: {وتَقَطَّعوا}. وتحتملُ على بعضِ التأويلاتِ المتقدمة أَنْ تتعلَّق بـ: {يَرْجِعون}، وتحتمل أَنْ تكونَ حرفَ ابتداءٍ، وهو الأظهر؛ بسبب إذا؛ لأنها تقتضي جوابًا هو المقصودُ ذِكْرُه. قال الشيخ: وكونُ {حتى} متعلقةً بـ: {تَقَطَّعوا} فيه بُعْدٌ من حيثن كثرةُ الفصلِ لَكِنه من حيث المعنى جيدٌ: وهو أنهم لا يزالون مختلفين على دين الحقِّ إلى قُرْب مجيءِ الساعةِ، فإذا جاءت الساعةُ انقطع ذلك كلُّه.
وتلخَّصَ في تعلُّق {حتى} أوجهُ، أحدها: أنها متعلقةٌ بـ: {حرامٌ}. الثاني: أنها متعلقةٌ بمحذوفٍ دَلَّ عليه المعنى، وهو قولُ الحوفيِّ. الثالث: أنها متعلقةٌ بـ: {تَقَطَّعوا}. الرابع: أنها متعلقةٌ بـ: {يَرْجِعون}. وتلخَّص في {حتى} وجهان، أحدهما: أنها حرفُ ابتداءٍ وهو قولُ الزمخشري وابنِ عطية فيما اختاره، الثاني: حرفُ جرّ، بمعنى إلى.
وقرأ {فُتِّحَتْ} بالتشديد ابنُ عامر. والباقون بالتخفيفِ. وقد تقدَّم ذلك أولَ الأنعام، وفي جواب إذا أوجهٌ أحدُها: أنه محذوفٌ فقدَّره أبو إسحاق: {قالوا يا وَيْلَنا}، وقدَّره غيرُه: فحينئذٍ يُبعثون. وقوله: {فإذا هي شاخصة} عطفٌ على هذا المقدرِ. الثاني: أنَّ جوابَها الفاءُ في قوله: {فإذا هي} قاله الحوفي والزمخشري وابن عطية. فقال الزمخشري: وإذا هي المفاجأةُ، وهي تقع في المجازاة سادَّةً مَسَدَّ الفاءِ كقوله تعالى: {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم: 36] فإذا جاءت الفاءُ معها تعاونَتا على وَصْل الجزاء بالشرط فيتأكَّدُ. ولو قيل: إذا هي شاخصة كان سديدًا. وقال ابن عطية: والذي أقول: إنَّ الجوابَ في قوله: {فإذا هي شاخِصَةٌ}، وهذا هو المعنى الذي قُصِد ذِكْرُه؛ لأنه رجوعُهم الذي كانوا يُكَذِّبون به وحَرَّم عليهم امتناعَه.
وقوله: {يَأْجُوجُ} هو على حذفِ مضاف أي: سدٌّ يأجوجَ وماجوجَ. وتقدَّم الكلامُ فيهما قريبًا.
قوله: {وهم} يجوز أَنْ يعودَ على يأجوج وماجوج، وأن يعودَ على العالَم بأَسْرِهم. والأول أظهر.
وقرأ العامَّةُ: {يَنْسِلون} بكسر السين، وأبو السمَالِ وابنُ أبي إسحاق بضمها. والحَدَب: النَّشَزُ من الأرض أي: المرتفعُ، ومنه الحَدَبُ في الظهر وكلُّ كُدْية أو أَكَمَةٍ فهي حَدَبَة، وبها سُمِّيَ القبرُ لظهورِه على وجه الأرض، والنَّسَلان مقارَبَةُ الخَطْوِ مع الإِسراعِ، يُقال: نَسَل ينسِل وينسُل بالفتح في الماضي، والكسرِ والضم في المضارع، ونسل وعَسَل واحد، قال الشاعر:
عَسَلانَ الذئبِ أمسى قارِبًا ** بَرَدَ الليلُ عليه فَنَسَلْ

والنَّسْلُ من ذلك وهو الذُّرِّيَّة، أطلقَ المصدرَ على المَفْعول. ونَسَلْتُ ريشَ الطائر من ذلك. وقُدِّمَ الجارُّ على متعلقه لتواخي رؤوسِ الآي. وقرأ عبد الله وابن عباس {جَدَث} بالثاء المثلثة، وهو القبرُ. وقرئ بالفاء وهي بدلٌ منها. قال الزمخشري: الثاء للحجاز والفاء لتميم. وينبغي أَنْ يكونا أصلين؛ لأنَّ كلًا منهما لغةٌ مستقلةٌ، ولَكِن قد كَثُر إبدال الثاء من الفاء قالوا: مَعْثُور في مَعْفور، وقالوا: فُمَّ في ثُمَّ، فأبدلت هذه من هذه تارةً، وهذه من هذه أخرى.
{وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97)}.
قوله: {فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ} فيه أوجهٌ:
أحدُها: وهو الأجود أن تكونَ {هي} ضميرَ القصة، و{شاخصةٌ} خبرٌ مقدمٌ، و{أبصارُ} مبتدأ مؤخر، والجملةُ خبرٌ لـ: {هي} لأنها لا تُفَسَّر إلاَّ بجملةٍ مصرِّحٍ بجزأيها، وهذا مذهبُ البصريين. الثاني: أن تكونَ {شاخصة} مبتدأ، و{أبصارُ} فاعلٌ سدَّ مَسَدَّ الخبرِ، وهذا يتمشى على رأي الكوفيين؛ لأنَّ ضميرَ القصةِ يُفَسَّر عندهم بالمفردِ العاملِ عملَ الفعلِ فإنَّه في قوة الجملة. الثالث: قال الزمخشري: هي ضميرٌ مُبْهَمٌ تُوَضِّحه الأبصارُ وتُفَسِّره، كما فُسِّر {الذين ظَلَمُواْ} {وَأَسَرُّواْ} [الأنبياء: 3]. ولم يَذْكر غيرَه. قلت: وهذا هو قولُ الفراء؛ فإنَّه قال: هي ضميرُ الأبصارِ تقدَّمَتْ لدلالة الكلام ومجيءِ ما يُفَسِّرها. وأنشد شاهدًا على ذلك:
فلا وأبيها لا تقول حَليلتي ** ألا فَرَّعني مالكُ بنُ أبي كعبِ

الرابع: أن تكونَ {هي} عمادًا، وهو قول الفراء أيضًا، قال: لأنه يَصْلُح موضعَها هو وأنشد:
بثوبٍ ودينارٍ وشاةٍ ودِرْهمٍ ** فهل هو مرفوعٌ بما هاهنا راسُ

وهذا لا يَتَمَشَّى إلاَّ على أحدِ قولي الكسائي: وهو أنه يُجيز تقدُّمَ الفصلِ مع الخبرِ المقدَّم نحو: هو خيرٌ منك زيد الأصل: زيدٌ هو خيرٌ منك، وقال الشيخ: أجاز هو القائمُ زيدٌ، على أنَّ زيدًا هو المبتدأ والقائم خبره وهو عمادٌ. وأصلُ المسألةِ: زيدٌ هو القائم. قلتُ: وفي هذا التمثيلِ نظرٌ؛ لأنَّ تقديمَ الخبرِ هنا ممتنعٌ لا ستوائِهما في التعريفِ، بخلاف المثال الذي قَدَّمْتُه، فيكون أصلُ الآيةِ الكريمة: فإذا أبصارُ الذين كفروا هي شاخصةٌ، فلما قُدِّم الخبرُ وهو {شاخصةٌ} قُدِّم معها العِمادُ. وهذا أيضًا إنما يجيءُ على مذهبِ مَنْ يرى وقوعَ العمادِ قبل النكرة غيرِ المقاربةِ للمعرفةِ.
الخامس: أَنْ تكونَ {هي} مبتدًا، وخبرُه مضمرٌ، ويَتِمُّ الكلامُ حينئذٍ على {هي}، ويُبْتَدأ بقوله: {شاخصة أبصار}. والتقديرُ: فإذا هي بارزةٌ أي: الساعةُ بارزةٌ أو حاضرة، و{شاخصةٌ} خبرٌ مقدمٌ و{أبصارُ} مبتدأٌ مؤخرٌ. ذكره الثعلبي. وهو بعيدٌ جدًّا لتنافرِ التركيبِ، وهو التعقيدُ عند علماءِ البيان.
قوله: {ياويلنا} معمولٌ لقولٍ محذوفٍ، وفي هذا القولِ المحذوفِ وجهان، أحدُهما: أنَّه جوابُ {حتى إذا} كما تقدَّم. والثاني: في محلِّ نصبٍ على الحالِ من {الذين كفروا}، قاله الزمخشري. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكِناهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (95)} أي لا نهلك قوما وإن تمادوا في العصيان إلا إذا علمنا أنهم لا يؤمنون، وأنه بالشقاوة تُخْتَمُ أمورُهم.
{حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ ومأجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96)} أي يحق القولُ عليهم، ويتم الأجلُ المضروبُ لهم، فعند ذلك تظهر أيامهم، وإلى القَدْرِ المعلومِ في التقدير لا تحصلُ نجاةُ الناسِ من شرِّهم.
{وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97)}.
تأخذهم القيامةُ بغتةً، وتظهر أشراطُ الساعة فجأة، ويُقِرُّ الكاذبون بأنَّ الذنبَ عليهم، ولَكِن في وقتٍ لا تُقْبَلُ فيه مَعْذِرَتُهم، وأوانٍ لا ينفعهم فيه إيمانهم. اهـ.

.تفسير الآيات (98- 100):

قوله تعالى: {إِنَّكُمْ وما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان هذا محلًا يخطر بالبال فيه آلهتهم بما يترجونه منها من النفع، قال مخاطبًا لهم إرادة التعنيف والتحقير: {إنكم} وأكده لإنكارهم مضمون الخبر: {وما تعبدون} أيها المشركون من الأصنام والشياطين؛ ولما كان يتعبدون له سبحانه طوعًا وكرهًا مع الإشراك، قيد بقوله دالًا على أن رتبة ما عبدوه من أدنى المراتب الكائنة تحت رتبته سبحانه: {من دون الله} أي الملك الأعلى الذي لا كفوء له؛ ولما كانوا يرمى بهم في جهنم رمي الحجارة الصغار التي تسمى الحصباء إلى المحصوب إسراعًا وإكراهًا، فيكونون وقودها من غير إخراج، قال: {حصب جهنم} أي الطبقة التي تلقى المعذب بها بالتجهم والعبوسة والتكره؛ ثم أكد ذلك بقوله استئنافًا: {أنتم لها واردون} أي داخلون دخول ورد الحمى على حالة هي بين السواد بالدخان والاحمرار باللب.
ولما قرعهم من هذا الكلام بما لا جواب لهم عنه غير المكابرة، أعرض عنهم الخطاب استهانة بهم واحتقارًا لهم فقال: {لو كان هؤلاء} أي الذين أهلوهم لرتبة الإلهية وهم في الحقارة بحيث يقذف بهم في النار قذفًا {ءالهة} أي كما زعم العابدون لهم {ما وردوها} أي جهنم أصلًا، فكيف على هذه الصفة؛ ثم أخبر عنهم وعنها بقوله: {وكل} أي منهم ومنها {فيها} أي جهنم {خالدون} لا انفكاك لهم عنها، بل يحمى بكل منهم فيها على الآخر {لهم} أي لمن فيه الحياة من المذكورين العابدين مطلقًا والمعبودين الراضين كفرعون {فيها زفير} أي تنفس عظيم على غاية من الشد والمد.
تكاد تخرج معه النفس، ويقرنون بآلهتهم زيادة في عذابهم حيث جعل المعبود الذي كان يطلب من السعادة زيادة في الشقاوة فصار عدوًا ولا يكون أنكأ من مقارنة العدو.
ولما كانت تعمية الأخبار مما يعدم القرار، ويعظم الأكدار، قال: {وهم فيها لا يسمعون} حذف المتعلق تعميمًا لكل مسموع، قال ابن كثير: قال ابن أبي حاتم: حدثنا على بن محمد الطنافسي ثنا ابن فضيل ثنا عبد الرحمن- يعني المسعودي- عن أبيه قال: قال ابن مسعود- رضى الله عنهم-: إذا بقي من يخلد في النار جعلوا في توابيت من نار فيها مسامير من نار فلا يرى أحد منهم أنه يعذب في النار غيره، ثم تلا عبد الله- يعني هذه الآية، قال: ورواه ابن جرير من حديث حجاج بن محمد عن المسعودي عن يونس بن خباب عن ابن مسعود فذكره. اهـ.